Be-songo.or.id

السَعَادَةُ عِندَ حَبِيبِ الجَعفَر الحَضَر

فِي هٰذَا العَصْرِ، يَقُومُ العَدِيدُ مِنَ النَّاسِ بِأَنْشِطَةٍ مُخْتَلِفَةٍ والَّتِي بالنِّسْبةِ لِبَعْضِ النَّاسِ هِيَ هِبَّةٌ جَمِيْلَةٌ تُسْعِدُهُمْ. ومَعَ ذَلِكَ، لَا يَزَالُ العَدِيدُ مِنَ الناسِ لا يستطيعونَ الشُّعورَ بالسَّعادةِ الحَقِيْقِيَّةِ. لِذَلِكَ، مِنَ المُهِمِّ أنْ يَفهَمَ الشَّخْصُ مَا هِيَ السَّعادةُ وَكَيْفِيَّةُ الْحُصُوْلِ عَلَيْهَا، نَظرًا لأنَّ السَّعَادَةَ هِيَ أحَدُ الْأَهْدَافِ الرئيسِيَّةِ في حَياةِ كلِّ شخصٍ

أ. السَّعَادَةُ فِي مَنْظُوْرِ الفَلْسَفَةِ وَالْقُرْآنِ

الفَلَاسِفَةُ المُسْلِمُوْنَ مثلُ ابنِ خلدونَ والفارابي أوضحُوا أنَّ أحدَ الْأَهْدَافِ الْأَهَمِّ فِي حَيَاةِ الْإِنْسَانِ هُوَ الحُصُوْلُ عَلَى السَّعادةِ. يَعْتَقِدُ ابنُ خلدونَ أنَّ السَّعَادَةَ تَتَحقَّقُ مِنْ خِلَالِ الْمَعْرِفَةِ والتَّعليمِ. وفقًا لهُ، المعرِفةُ تُمكنُ الإنْسَانَ مِنْ فَهْمِ الْعَالَمِ ونَفْسِهِ، مِمَّا يُؤدِّي فِي النِّهايةِ إلى السَّعادةِ الحَقيقةِ. كما أوضحَ الفارابي أنَّ السَّعادةَ هِيَ الهدفُ الأسْمَى في حَياةِ الإنسانِ، والتي تتحقَّقُ مِنْ خِلالِ كَمالِ العَقلِ والأَخلاقِ. وفقًا لهُ، الحياةُ الأخلاقِيَّةُ والعَقلانِيَّةُ هِيَ مِفتاحُ تحقِيقِ السَّعادةِ الحَقيقيةِ

:أمثِلَةٌ في الحياةِ اليوميَّةِ

المعرِفةُ:  الشخصُ الذي يَستمِرُّ في التَّعلُّمِ وتنمِيَةِ معرِفَتِه يَشعُرُ بالرِّضا والسَّعادةِ لأنَّهُ يَملِكُ فَهمًا أعمقَ للعالَمِ

الأخلاقُ: الشخصُ الذي يَعِيشُ بمبادِئِ أخلاقِيَّةٍ عاليَةٍ ويَفعَلُ الخيرَ يَشعُرُ بالسَّعادةِ لأنَّهُ يَحصُلُ على تقديرٍ مِنْ نفسِه ومِنَ الآخرينِ

الخُلاصةُ، يُؤكِّدُ هؤلاءِ الفلاسِفَةُ على أنَّ السَّعادةَ ليستْ فقط عنِ المُتعةِ المادِّيَّةِ، بلْ أيضًا عنِ المعرِفةِ والأخلاقِ والتنمِيَةِ الذاتِيَّةِ

وبِالمثلِ في القُرآنِ الكَريمِ، على سبيلِ المِثالِ في سُورةِ النَّحلِ الآية ٩٧ ، يَذكُرُ اللهُ أنَّ أحدَ أهدافِ الحياةِ الدُّنيا هو إعطاءُ حياةٍ طَيِّبَةٍ

مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّنْ ذَكَرٍ اَوْ اُنْثٰى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهٗ حَيٰوةً طَيِّبَةًۚ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ اَجْرَهُمْ بِاَحْسَنِ مَا كَانُوْا يَعْمَلُوْنَ ,سُورةِ النَّحلِ الآية٩٧

يَذكُرُ اللهُ أنَّ الحياةَ الدُّنيا تَهدِفُ إلى إعطاءِ حياةٍ طَيِّبَةٍ (حَيَاةً طَيِّبَةً) للمُؤمِنينَ الذينَ يَعمَلونَ الصَّالِحاتِ. وفقًا لتفسيرِ ابنِ عباسٍ، تتضمَّنُ الحياةُ الطيبةُ راحةَ النَّفسِ، والشُّعورَ بالكِفايةِ، والرِّضا في الحياةِ

:أمثِلَةٌ على الحياةِ الطَّيِّبةِ

راحةُ النَّفسِ: الشخصُ الذي يَعيشُ بالإيمانِ ويَقُومُ بأوامِرِ اللهِ يَشعُرُ براحةٍ نفسِيَّةٍ، خالِيَةٍ مِنَ القلَقِ والخَوفِ

 الشُّعورُ بالكِفايةِ: الشُّعورُ بالشُّكرِ لما يَملِكُهُ، وعَدَمُ الشُّعورِ بالنَّقصِ أوِ الحَسَدِ تجاهَ الآخرينِ، والشُّعورُ بالكِفايةِ بما رَزَقَهُ اللهُ.

الرِّضا في الحياةِ: القِيامُ بالأَعمالِ الصَّالِحةِ وفِعلُ الخيرِ للآخرينِ يَمنَحُ السَّعادةَ والرِّضا، والشُّعورَ بأنَّ حياتَهُ ذاتُ مَعْنًى ومُفِيدةٌ

لِذا، الحياةُ الطَّيِّبَةُ وفقًا لهٰذهِ الآيةِ هِيَ حياةٌ مَلِيئةٌ بالبَرَكةِ والسَّلامَةِ والسَّعادةِ الحَقيقيَّةِ، ليسَ مُجَرَّدًا في الدُّنيا ولكِنْ في الآخِرةِ أيضًا.

ب. هَلِ السَّعادةُ والفَرَحُ نَفسَ الشَّيءِ؟

يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ الحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ هِيَ حَيَاةُ الَّتِي مِلْؤُهَا السَّعَادَةُ، وَلَكِنْ هَلِ السَّعَادَةُ هِيَ نَفْسُهَا الفَرَحُ؟ يَبْدُو أَنَّ الأَمْرَ يَخْتَلِفُ. الفَرْقُ يَكْمُنُ فِي أَنَّ الفَرَحَ طَبِيعَتُهُ مُؤَقَّتَةٌ وَمُتَقَلِّبَةٌ. عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ، عِنْدَمَا نَحْصُلُ عَلَى هَاتِفٍ جَدِيدٍ، سَنَكُونُ فَرِحِينَ. وَلَكِنَّ هَذَا الفَرَحَ قَدْ يَدُومُ سَاعَةً، سَاعَتَيْنِ، أَوْ يَوْمًا، يَوْمَيْنِ، أَوْ حَتَّى أُسْبُوعًا أَوْ أُسْبُوعَيْنِ. بَعْدَ ذَلِكَ، سَتَضْمَحِلُّ السَّعَادَةُ لِطَبِيعَتِهِ المُؤَقَّتَةِ وَالمُتَقَلِّبَةِ

عِنْدَمَا نَحْصُلُ عَلَى شَيْءٍ مَا لأَوَّلِ مَرَّةٍ، تَكُونُ السَّعَادَةُ فِي الدَّقَائِقِ الأُولَى 100%. بَعْدَ عِدَّةِ سَاعَاتٍ، تَنْخَفِضُ السَّعَادَةُ إِلَى 70%. وَعِنْدَمَا تَمُرُّ عِدَّةُ أَيَّامٍ، تَصْبِحُ السَّعَادَةُ 50%، وَبَعْدَ بَعْضِ الأَيَّامِ تَنْخَفِضُ إِلَى 10%. فِي النِّهَايَةِ، نُصْبِحُ مُتَعَوِّدِينَ عَلَى الهَاتِفِ. فِي البِدَايَةِ، لَنْ نَضَعَ الهَاتِفَ فِي مَكَانٍ مُتَّسِخٍ لِأَنَّنَا نَحْتَفِظُ بِهِ بِسَبَبِ الفَرَحِ. لَكِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ سَعَادَةً؛ إِنَّهُ الفَرَحُ

السَّعَادَةُ لَيْسَتْ مُتَقَلِّبَةً بَلْ مُسْتَقِرَّةً. فِي اللُّغَةِ القُرْآنِيَّةِ، تُسَمَّى السَّعَادَةُ الطُّمَأْنِينَةَ، وَالَّتِي تَكُونُ دَائِمًا فِي سَلامٍ وَهُدُوءٍ، وَلَا تَكُونُ مَادِّيَّةً. المَوَادُّ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مُحَفِّزَةً لِلسَّعَادَةِ وَلَكِنَّ لَيْسَتْ هِيَ الغَايَةَ. السَّعَادَةُ لَا تَكُونُ فِي الخَارِجِ بَلْ تَكُونُ فِي دَاخِلِ أَنْفُسِنَا. السَّعَادَةُ لَيْسَتْ لِلْبَحْثِ فِي الخَارِجِ بَلْ لِلْحَفْرِ دَاخِلَ أَنْفُسِنَا. لَا يُمْكِنُنَا إِنْشَاءُ شُرُوطٍ فِي الخَارِجِ لِتَجْعَلَنَا سُعَدَاءَ، وَلَكِنْ يُمْكِنُنَا إِنْشَاءُ السَّعَادَةِ دَاخِلَ أَنْفُسِنَا

كُلُّ إِنْسَانٍ لَهُ طَبِيعَةٌ مُخْتَلِفَةٌ. سَوَاءً لَقِينَا شَخْصًا جَيِّدًا أَوْ سَيِّئًا، يَجِبُ عَلَيْنَا التَّكَيُّفُ مَعَهُ. الإِنْسَانُ لَا يُمْكِنُهُ تَغْيِيرُ الوَاقِعِ كُلِّيًّا بَلْ يُمْكِنُهُ مُصَالَحَةُ الوَاقِعِ. التَّحَدِّيَاتُ وَالتَّجَارِبُ الحَيَاتِيَّةُ تَعْتَمِدُ عَلَى سَعَادَتِنَا بِالْخَارِجِ، وَذَلِكَ بِمَعْنَى أَنَّنَا نَسْتَخْدِمُ مَقَايِيسَ السَّعَادَةِ مِنَ الآخَرِينَ

رُبَّمَا يَكُونُ الآخَرُونَ سُعَدَاءَ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ زَوْجَةً جَمِيلَةً، فَنَعْتَقِدُ أَنَّنَا سَنَكُونُ سُعَدَاءَ إِذَا كَانَتْ لَدَيْنَا زَوْجَةٌ جَمِيلَةٌ. ذَلِكَ فَقَطْ عِنْدَمَا نَرَاهُمْ فِي حَالَةِ سَعَادَتِهِمْ، أَمَّا صُعُوبَاتُهُمْ فَلَمْ نَشْهَدْهَا. إِذَا كَانَ العَمَلُ نَاجِحًا، نَعْتَقِدُ أَنَّنَا يَجِبُ أَنْ نَكُونَ نَاجِحِينَ أَيْضًا لِنَكُونَ سُعَدَاءَ. لَيْسَ دَائِمًا كَذَلِكَ. السَّعَادَةُ تَعْتَمِدُ أَيْضًا عَلَى الشُّكْرِ. لَيْسَ السُّؤَالُ بَعْدَ السَّعَادَةِ، بَلْ مَعَ الشُّكْرِ نَصِلُ إِلَى السَّعَادَةِ

النِّهَايَةُ فِي السَّعَادَةِ تَكْمُنُ فِي كَيْفِيَّةِ رُؤْيَتِنَا، تَقْيِيمِنَا، وَتَعَامُلِنَا مَعَ الشُّيُوءَ. السَّعَادَةُ تَعْتَمِدُ عَلَى السِّيَادَةِ الذَّاتِيَّةِ؛ لَا تَرْتَبِطُ بِشَيْءٍ خَارِجَ أَنْفُسِنَا، سَوَاءً كَانَتْ أُخْرَى أَوْ أَشْيَاءَ. النَّجَاحُ لَا يُوَفِّرُ دَائِمًا الفَرَحَ، وَلَكِنَّ أَحْيَانًا يُسَبِّبُ المَعَانَاةَ. كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لَا يَشْعُرُونَ بِالفَرَحِ بِسَبَبِ النَّجَاحِ

السَّعَادَةُ لَا تَعْتَمِدُ عَلَى مَا عَدَا نُفُوسِنَا، سَوَاءً كَانُوا أَشْخَاصًا أَوْ أَشْيَاءً، بَلْ تَعْتَمِدُ عَلَى كَيْفِيَّةِ تَكْيِيفِ أَفْكَارِنَا وَقُلُوبِنَا مَعَ الوَاقِعِ الَّذِي نُوَاجِهُهُ. لِذٰلِكَ، السَّعَادَةُ تَكُونُ نَقِيَّةً مِنْ طَبِيعَتِهَا وَتَتَعَلَّقُ بِكَيْفِيَّةِ رُؤْيَتِنَا وَتَقْيِيمِنَا وَتَعَامُلِنَا مَعَ الأَشْيَاءِ. عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ، الحَادِثُ. هَلْ يُمْكِنُنَا أَنْ نَكُونَ سُعَدَاءَ بِسَبَبِ حَادِثٍ؟ إِذَا نَظَرْنَا إِلَى الحَادِثِ كَتَنْبِيهٍ مِنَ اللهِ عَلَى أَخْطَائِنَا الَّتِي نَقُومُ بِهَا، وَجَعَلْنَاهُ نُقْطَةَ بَدْءٍ لِلتَّغْيِيرِ، فَإِنَّنَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَبْدَأَ التَّغْيِيرَ بِسَعَادَةٍ

ج. السَّعادةُ الحَقيقيَّةُ

السَّعادةُ هِيَ عندما نَكونُ قادِرينَ على قَبولِ كُلِّ الأقدارِ التي تُصِيبُنا لأنَّنا واثِقونَ مِنْ أنَّ النَّتائِجَ التي نُقدِّمُها هِيَ الأفضَلُ مِنَ الله. الله يُحقِّقُ ما يَحتاجُهُ عبدُهُ، وليسَ ما يَرغَبُهُ. في القُرآنِ الكريمِ  سورة يونس ٦ يقولُ الله

(أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ,سورة يونس ٦)

أي أنَّ أولِياءَ الله لا يَخافونَ ولا يَحزَنونَ، وهم دَائمًا سُعَداءُ لأنَّهم دَائمًا يَجعلونَ الله هو الأهمَّ في حَياتِهم. في النِّهايةِ،

السَّعادةُ الحَقيقيَّةُ هِيَ مِنَ اللهِ، إلى اللهِ، ومعَ الله

الكاتب : عبد السلام بارك لنا

REKOMENDASI >